ShareThis

الثلاثاء، يوليو 08، 2014

وصايا الإبحار | الوصية السابعة : احذر إعصار الهوى







هذه أخطر قاعدة وأعظم تحذير
هذا أخطر ما تلقاه في السير إلى الله، يدمر كل ما سبق: يدمر الهدف، والسفينة، والرفقة، ويحجب رؤية النجوم والعلامات...!

إنه حقا إعصار إنه ((الهوى))
قال تعالى: { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان:43]، 
وقال عز وجل: { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّـهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّـهِ ۚأَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23].
وفي الأثر: "ليس تحت أديم السماء إله يعبد، شر من هوى متبع".
ومن أخطر أنواع الهوى –والهوى أنواع- أن تعبد الله على مزاجك، ووفق رغبتك.

وا أسفاه على من قضى رمضان في تيه الإعصار ..

أن يكون هو المشرف .. هو الإمام .. هو القائد .. هو المنظم، ويمضي منه رمضان في شهوته القيادة والتصدر:
عبادات على الهوى، فتاوى على الهوى، أعمال دعوية وخدمية على الهوى .. ويقضي رمضان في عرض تقارير إنجازاته الخدمية والدعوية! خدمة لهواه! 
وينسى أن أحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم لا ما وافق هواه.


يترك الاعتكاف لأسباب خدمية !! وأحسن الهدي الاعتكاف.
ويترك العمرة لأنه كداعية غير متفرغ لها !
وأحسن الهدي: العمرة في رمضان.
ويقضي رمضان في الصلة والزيارات والمبالغة في حق أهله والعيال!!
وأحسن الهدي: شد المئزر، وإيقاظ الأهل، ولإحياء الليل.

أيتها الداعية المخلص ...
اختفاؤك في الليالي العشر من رمضان في حد ذاته دعوة، بل إنه دعوة أبلغ من خطبك ومحاضراتك؛ فكما قيل: "فعل الرجل في ألف رجل أبلغ من قول ألف رجل في رجل" إنها دعوة بالتأسي.
إن كل جهودك التي على الهوى مثلها كمثل الحمل الكاذب، وكما قلت لكم من قبل، فإن كل حمل يتم خارج رحم المنهج فهو حمل كاذب.. هذه قاعدة في السير إلى الله؛ فتضخم الأعمال على غير المنهج (الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة) يكون انتفاخا فارغا، لن يأتي بأبناء، 
لن يوصل إلى رضا الله؛ نحن نريد أن نلملم أنفسنا، ونعبد ربنا بهدوء، بعيدا عن ضجيج الأهواء، نريد أن نغلق هذه الشباك (المنظرة)، ونغلق هذا الباب (التصدر) الذي يأتي لنا منه الهوى، لكي نستطيع عبادة ربنا بصدق.

قاعدة ثلاثية للنجاة من إعصار الهوى في عرض رمضان:
في عرض البحر: الإخلاص أنفع ... الدعاء أنجع ... الافتقار أسرع.

1-الإخلاص:
هو القصد بالعبادة إلى أن يعبد بها المعبود وحده، وقيل: تصفية السر والقول والعمل.
وقال سهل التستري رحمه الله: "انظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركته وسكونه وسره وعلانيته لله وحده لا يمازجه شيء، لا نفس ولا هوى ولا دنيا".
فمن علم شدة حاجته إلى صافي الحسنات غدا في القيامة غلب على قلبه حذر الرياء، وتصحيح الإخلاص بعلمه حتى يوافي ويوم القيامة بالخالص المقبول، إذا علم أنه لا يخلص إلا الله سبحانه إلا ما خلص منه، ولا يقبل يوم القيامة إلا ما كان خالصا لوجهه، لا تشوبه إرادة شيء بغيره.
قال ابن الجوزي رحمه الله: اعلم أن الطريق الموصلة إلى الحق سبحانه ليست مما يقطع بالأقدام إنما يقطع بالقلوب، والشهوات العاجلة قطاع الطريق والسبيل كالليل المدلهم، غير أن عين الموفق بصر فرس لأنه يرى في الظلمة كما يرى في الضوء، والصدق في الطلب منار أين وجد يدل على الجادة.

وإنما يتعثر من لم يخلص ..
وإنما يمتنع الإخلاص ممن لا يراد .. فلا حول ولا قوة إلا بالله ..

قال مالك بن دينار رحمه الله: "وقولوا لمن لم يكن صادقا لا يتعنى".
وليعلم المرائي أن الذي يقصده يفوته وهو التفات القلوب إليه، فإنه متى لم يخلص حرم محبة القلوب ولم يلتفت إليه أحد، والمخلص محبوب، فلو علم المرائي أن قلوب الذين يرائيهم بيد من يعصيه لما فعل.
إن المشركين الذين هم مشركون ، في عرض البحر لا يسألون إلا الله: قال الله تعالى: { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65].
ولإنك ان اعتبرت فعلا أنك في عرض البحر .. فإن كل شيء سيهون عندك إلا الله الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه.

أخلص نيتك تطهر عبادتك من أدران الهوى، وتحبب إليك الخلوة والخمول، وتعل همتك في الذكر وعبادات السر.

2-الدعاء:
اقرأ نفس الآية: { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، ألست قد ركبت وأبحرت؟ فأين الدعاء؟
يا لعجز من حاجته بيد الله ولا يطلبها منه! كيف يشق على إنسان أن يقول: يا رب !؟ اللهم إنا نسألك من فضلك ورحمتك وبركتك ورزقك؟
قال صلى الله عليه وسلم: " أعجز الناس من عجز عن الدعاء" [أخرجه ابن حبان وحسنه الألباني]
انج من هذا الإعصار الرهيب .. باستدامة الطرق على باب القريب المجيب: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

3-الافتقار:
إذا وجدت في نفسك نشاطا في أول رمضان: تدرس في مقرأة، أو تفطر الصائمين، أو تلقي كلمة في التراويح، أو تذكر الله كثيرا، أو تختم القرآن بسرعة، فلا تغتر؛ لا تعجب في عرض البحر! بل الأحرى بك أن تنكسر وتذل وتخضع بين يدي الله، وتتضاعف حسناتك شكرا لتوفيقه.
أنت أحوج الناس للافتقار لا سيما بعد النصب في العبادة؛ لأنك تخشى ألا يقبل منك شيئا، قال عز وجل: { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60].
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}، قالت عائشة: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: "لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون، ويصلون، ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات" [أخرجه الترمذي وصححه الألباني].
تأمل هذا المشهد .. وانظر لخطر الفرح بغير الله : { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [يونس: 22].

أرأيت كيف تولد الإعصار فورا بعد فرحة العجب ؟!

فالنجاة من الإعصار تكمن في الافتقار، يقول سفيان: "مثل المؤمن كمثل رجل في البحر على خشبة يقول: يا رب .. يا رب".

يا أخي...
ألا يفزعك، ويهد غرورك هذا، أن تعلم أن لك بيتا في النار! 
أنت أنت ! لك مكان محجوز في النار، وتنتظر أن يكتب الله لك البراءة منه!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة دفع الله عز وجل إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا، فيقول: هذا فكاكك من النار" [أخرجه مسلم].
قال الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة دفع الله عز وجل إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا، فيقول: هذا فكاكك من النار" معناه ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " ما منكم أحد إلا له منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار" فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار؛ لأنه مستحق لذلك بكفره".
ومعنى فكاكك: أنك كنت معرضا لدخول النار، وهذا فكاكك؛ لأن الله تعالى قدر للنار عددا يملؤها، فإذا دخلها الكفار بذنوبهم وكفرهم، صاروا في معنى الفكاك للمسلمين، والله أعلم".
فإن كان الأمر كذلك .. فعليك بكلمة ابن الجوزي رحمه الله: "تضاعف ما أمكنك؛ فإن اللطف مع الضعف أكثر" قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60].

رأى الحسن يوما شابا يضحك بصوت عال، فقال له كلمة أبكته، وجعلته يهيم على وجهه، ولم ير بعد ضاحكا .. أتدري ماذا قال له؟ قال: "كيف تضحك وأنت لم تجز الصراط بعد!".
وكان الحسن كثير البكاء، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي، أخشى أن يكون قد اطلع على بعض ذنوبي فيقول: اذهب فلا غفرت لك.
قال تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ﴿٧١﴾ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72]، فأنت يقينا ضمن الورود، لكنك لا تدري: أتنجو أم سيذرك الله في جهنم جثيا!

فطأطئ رأسك وتواضع، حتى لا يغرقك الإعصار ..

ليلنا ليل البطالين، ونهارنا نهار أهل الدنيا، وملك الموت في طلبنا لا يكف عنا، وهل يغتر أو يعجب بعمل من يعلم أن الموت ينتظره، ولا يدري إلى أين يذهب به .. إلى الجنة فيفرح .. أم إلى الأخرى ؟!!

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات بلوجر

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
إصعد لأعلى