ShareThis

الاثنين، نوفمبر 19، 2012

ونيسرك لليسرى .. لفضيلة الشيخ/ محمد المحيسني


أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بتسبيحه والثناء عليه، قال سبحانه: ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى))[الأعلى:1]، وذكر بعضاً من صفاته جل وعلا، الدالة على عظيم قدرته، وطلاقة تقديره وهدايته، ويسره لليسرى بمنه وفضله وكرمه، بعد أن تكفل بإقرائه وحفظ منهجه من النسيان والعبث..

فكانت سيرته صلى الله عليه وسلم كلها صفحات من السماحة واليسر، والرحمة والهوادة، واللين والعفو.. كانت هي اليسر كله.. وكان لا يعالج النفوس إلا باليسر والسماحة..

عفا عن قاتل عمه، وتجاوز عمن اعتدى على بناته أثناء هجرتهن، ورحب بمن جاءه تائباً وقد أهدر دمه، وأطلق قريشاً كلها وهو القادر على أن يفعل بها ما يشاء..

وَإِذَا عَفَوْتَ فَقَادِرًا وَمُقَدَّرًا لَا يَسْتَهِيْنُ بِعَفْوِكَ الْعُقَلاءُ
وَإِذَا رَحِمْتَ فَأَنْتَ أُمٌّ أَوْ أَبٌ هَذَانِ فِيْ الْدُّنْيَا هُمَا الْرُّحَمَاءُ

أعطى الأعرابي حتى أرضاه.. ومنع صحبه من تهييج ذلك الذي بال في مصلاه.. وكان يقول: «إن مثلي ومثل هذا الأعرابي، كمثل رجل كانت له ناقة شردت عليه فتبعها الناس»..

كان يأخذ النفوس الشاردة ببساطة ويسر ورفق، وما ذلك إلا معنى معاني التيسير لليسرى..

كان رحمة للعالمين، يأمر أتباعه بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم..

وكان الكتاب الذي أنزل عليه ميسراً سهلاً، قال عنه ربه: ((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ))[القمر:17]، وقال سبحانه: ((وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ))[الحج:78]، وقال سبحانه: ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا))[البقرة:286]..

والعقيدة التي جاء بها عقيدة سهلة ميسرة بسيطة قوامها، توحيد الله وطرح الشركاء وإتباع الرسل، والإتيان بما يستطاع.. بعيداً عن الخرافة والوهم..

فكان الرسول ميسراً، وكانت العقيدة ميسرة، وكان المنهج ميسراً، وبذلك تطابقت طبيعة الرسول مع طبيعة الرسالة، مع طبيعة المنهج المنزل في الكتاب الحكيم، مع طبيعة العقيدة التي احتواها ذلك المنهج..

وكانت حقيقة الداعي هي حقيقة الدعوة، وكانت الأمة التي أرسل فيها ذلك الرسول الميسر بتلك الرسالة الميسرة هي الأمة الوسط المرحومة، وكان كل الوجود من حولها ميسر لما خلق له، سائر في طريقه الذي هداه إليه ربه، ماض إلى غايته التي حددها رب السموات والأرض...

((فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى))[الأعلى:9-11]..

عليه التذكير، فتلك هي مهمته التي أرسل بها، فليذكر متبعاً وسيلة اليسر والسهولة والوضوح..

والذكرى تنفع دوماً، ولن تعدم من ينتفع بها قليلاً أو كثيراً، مهما كابر المكابرونـ ومهما قست القلوب..

فإذا ما أدى النبي مهمته فكل وشأنه بعد ذلك، ووفقاً لاستجابته يتحدد مصيره، وينال نصيبه من الشقاء والسعادة..

فالذي يعلم أن للوجود خالقاً خلق فسوى، وقدر فهدى، وأنه لن يترك الناس سدى، ولا بد له من محاسبتهم ومجازاتهم، فذلك هو الذي يخشى، وهو من سيتذكر، أما ذلك الذي لا يسمع ولا يستفيد فإنما هو الشقي، بل هو الأشقى في الدنيا بخواء روحه وانطفاء بصيرته وتكالبه عليها، وهو الأشقى في الآخرة لما ينتظره، فحقه الاصطلاء في النار الكبرى حيث لا موت ولا حياة..

((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى))[الأعلى:14-15] ومع التطهر والتذكر يوجد الفلاح، التطهر من كل رجس، وذكر الرب واستحضار عظمته وجلاله..

وفي خاتمة السورة يقر الله جل وعلا علة الشقاء والتعاسة، ومنشأ الغفلة والانصراف عن التذكرة، ((بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى))[الأعلى:16-17] فإيثار الحياة الدنيا هو أساس كل بلاء، والصاد الأساسي عن التذكر، لأن الذكرى تدفع بهم إلى الآخرة، وهم يريدون الدنيا، على الرغم من علمهم بزوالها..

وما هو بالأمر الغريب المبتدع ذلك الذي يدعو إليه ويذكر به محمد صلى الله عليه وسلم، أنه في الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى..



والحمد لله رب العالمين...





تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات بلوجر

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
إصعد لأعلى