ShareThis

الأحد، نوفمبر 18، 2012

سبح اسم ربك الأعلى لفضيلة الشيخ / محمد المحيسني


سورة كان يحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو يحب القرآن كله-، لكن تكون هناك خصوصيات لبعض الآيات والسور، في مواطن معينة، كان صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيح كثيراً ما يقرأ بها مع الغاشية في الجمع والأعياد..   

فما هو سر ذلك الحب النبوي لهذه السورة العظيمة؟
ذلك ما لا يمكننا أن نجزم به، لكننا نحاول تلمس الطريق طالما أمرنا بالتدبر والتفكر في آيات الله، ونَكِلُ العلم إلى العليم الحكيم سبحانه...

فعندما نطالع السورة الكريمة لا نملك إلا أن نقول «سبحان الله».. حق لك يا رسول الله! أن تحبها، فهي سورة تحيل الكون كله إلى مصلى تتجاوب أرجاؤه كلها بتسبيح الله الأعلى وتمجيده وتنزيهه، وهي تحيل الكون كله إلى معرض يزخر بموحيات التسبيح والحمد والثناء للرب الكريم الأعلى جل جلاله...

نرى في السورة مشهد الخلق والتسوية..

ونرى مشهد التقدير والهداية..

ونرى مشهد إخراج النبات الذي عبرت عنه الآية بالمرعى..

ثم نرى ذبوله واصفراره وتحوله إلى الغثاء الأحوى..

ونرى البشرى الكريمة الندية للنبي ولأمته من بعده بحفظ القرآن والتيسير إلى اليسر..

والسورة في مجملها تقرر قواعد أساسية للإيمان، من توحيد وصفات، وإثبات للوحي، وتقرير للجزاء والحساب، وهي مع ذلك تربط ما بين الدعوة والدعاة، من لدن أبي الأنبياء إبراهيم، مروراً بموسى، وانتهاءً بمحمد صلى الله عليهم أجمعين...

فلنتوقف قليلاً أمام الآيات الأول من السورة في هذه الخاطرة، ولنستكمل ما يليها لاحقاً بحول الله...

((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى))[الأعلى:1] مجده ونزهه واستحضر معاني صفاته، وعش الحياة بكل إشعاعاتها، وفيوضاتها، ووجداناتها، بالقلب والمشاعر، فالمسالة ليست مجرد ترديد لجملة «سبحان الله»..

إن أول وأقرب صفة يمكن الشعور بها هي (العلو)، فكل من أراد التوجه إلى الله نجده يتجه لا إرادياً إلى الأعلى حساً ومعنى، ويشعر بانطلاق شعوره للتطلع إلى الآفاق التي لا نهاية لها، وتسبح روحه إلى غير مدى في التعالي والسمو...

وحينما تنزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم: «اجعلوها في سجودكم»، وحينما نزلت قبلها: ((فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ))[الواقعة:74] قال: «اجعلوها في ركوعكم»، فكان الأمر بالتسبيح حينما يكون العبد أقرب ما يكون إلى ربه...

إنها اتصال مباشر بالله سبحانه، وتناغم مع كل مخلوقاته، ألم يقل ربنا سبحانه: ((وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ))[الإسراء:44]..

والعبد هنا عندما يعيش مع السورة الكريمة يتعرف من خلال التسبيح الذي أمر به على ذات الله من خلال صفتين من صفاته، هما العظمة والعلو..

ثم انظر يا عبدالله! بعد أن تسبح اسم ربك الأعلى إلى ما حولك، لترى شيئاً من خصائصه سبحانه في كل ما تراه..

الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى.. فهو الخالق المقدر الهادي...

لقد خلق كل شيء فسواه وكمله وجمله، وبلغ به الغاية في الإتقان، وقدر لكل مخلوق وظيفته وغايته، وهداه إلى ما خلق لأجله، ثم ألهمه غاية وجوده.. ثم قدر له ما يصلح شأنه مدة بقائه وهداه إليه...

تلك الحقائق التي تقررها الآيتان ماثلة في كل شيء من حولنا، سواء كان كبيراً أم صغيراً.. جليلاً أم حقيراً.. كل شيء سواه الله وأبدعه وأعده لوظيفته، وكمله في خلقته، وقدر له غاية وجوده، ويسره لتحقيق غاياته، يستوي في ذلك ذرة غبار هائمة في سماء الله، أو مجرة تحوي آلاف النجوم والكواكب في فضاء الله الواسع..

انظر إلى النملة إن شئت، وانظر إلى النحلة.. انظر إلى الطفل أول ما يولد وكيف يبحث عن ثدي أمه.. لتعرف معنى الخلق والتسوية والتقدير والهداية...

وانظر إلى الجبل الشاهق، والصحراء الشاسعة، والبحر المائج، والسماء الرحبة، وكل ما حوته من المخلوقات تجده كله ملخصاً في قوله تعالى: ((الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى))[الأعلى:2-3]...

فسبحان ربنا العظيم، وسبحان ربنا الأعلى...

والحمد لله رب العالمين...
 
تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات بلوجر

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
إصعد لأعلى